تعد صناعة المعلومات من أهم المؤشرات الحيوية على الوعي المعلوماتي في أي دولة من الدول ، إذ يقاس تقدم الأمم بمدى قدرتها على جمع المعلومات وتنظيمها ومعالجتها وإخراجها في قالب يخدم الفئات المستهدفة على كافة الأصعدة. وتتأكد أهمية هذه الصناعة في هذا العصر الذي يطلق عليه ( عصر المعلومات ) حيث تزداد الحاجة إلى التوظيف الأمثل للمعلومة من خلال إنتاجها وتجهيزها وتسويقها بشكل يلبي احتياجات المستفيدين .
ومن الملاحظ أن المكتبات ومراكز المعلومات في المملكة العربية السعودية بدأت تركز في الآونة الأخيرة على صناعة المعلومات ، بما في ذلك إنشاء نظم وقواعد المعلومات المختلفة ، وتطوير البرامج التقنية وتطويعها، وتوظيف التقنية في تقديم خدمات المعلومات المتنوعة ، وتبني برامج البحوث والتطوير ، والاستشارات ، وبرامج التعليم والتدريب ، ودعم التأليف والترجمة والطباعة والنشر، وغير ذلك من أوجه النشاطات الأخرى التي تندرج تحت مظلة الصناعة المعلوماتية بمفهومها الواسع ، وتشكل البنية والتجهيزات الأساسية لهذه الصناعة الحيوية. الأمر الذي يوحي بأن تلك المؤسسات قد تخطت مرحلة التنظيم والمعالجة إلى مرحلة صناعة المعلومات ، واستطاعت خلال المسيرة التي قطعتها تحقيق إنجازات ملموسة في هذا الصدد .
إلا أن الإشكالية هنا تكمن في ضعف التكامل والتنسيق بين تلك المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات ، وذلك نظراً لتشتت الإمكانات ، وتبعثر الجهود . وقد لمس الباحث من خلال معايشته للواقع أن كل جهة تعمل وتخطط بمعزل عما يدور في الجهات الأخرى ، وبذلك حل التنافس والتنافر محل الاتحاد والتكامل، وطغت المصلحة الفردية على المصلحة العامة ، وظهرت على الساحة مشروعات مكررة ، مما ترتب عليه إهدار الأموال والجهود فيما لا طائل تحته . ولم تعد الاستفادة من تلك الجهود الفردية بالشكل المطلوب، حيث إنه ينقصها روح التعاون والتخطيط على المستوى الوطني .
مشكلة الدراسة ( خلفية الموضوع وأهميته ) :
توحي الحقيقة التي وضحتها السطور السابقة بوجود مشكلة ملحة تستدعي سبر غورها، ووضعها تحت مجهر البحث العلمي . فهي تشكل ظاهرة غير صحية، وقد أثارت هذه الظاهرة انتباه الباحث ، وأشعلت همته لدراستها . وبالتالي نشأت فكرة هذا المشروع الذي يتبنى مبدأ التعاون والتنسيق كحل للمشكلة القائمة ، ويؤكد على أهمية التخطيط الوطني للصناعة المعلوماتية من خلال العمل تحت مظلة جهة رائدة تعمل على تظافر الجهود ، وتقليص حجم العمل بشكل انفرادي ، وتنظيم الوضع الراهن لهذه الصناعة المهمة ، وإيجاد البدائل والحلول للصعوبات التي قد تعرقل مسيرة المشروع التعاوني الذي تبناه الباحث في الدراسة الحالية .
ومما يعزز من أهمية الموضوع محط البحث عدم وضوح الرؤية لدى البعض تجاهه ، وذلك بسبب نــدرة الــدراسات العلمية حوله ، مما أوجد حافزاً لدراسة هذا الموضوع ، والسيطرة على أبعاده الواسعة . ويمكن أن يتأتى هذا من خلال معرفة الدور الذي تقوم به مؤسسات المعلومات في المملكة في دعم الصناعة المعلوماتية ، ومدى إسهامها في تقديم الخدمات ، وما تمارسه من الأنشطة ذات الصلة بإنتاج المعلومات وتنظيمها وتحليلها وتوثيقها ، ومن ثم إتاحتها للراغبين فيها . وكذلك تقصي الجهود والمحاولات المبذولة لإيجاد نوع من التكامل في هذا المضمار ، ودراسة أبرز النماذج والممارسات الحالية التعاونية والتنسيقية ( إن وجدت ) ، وبيان ما قد تعانيه من مشكلات تحد من انطلاقتها ، وأيضاً معرفة التطلعات المستقبلية في هذا المجال . وأخيراً الخروج برؤية تحدد المسار المقترح لتكامل الجهود المبذولة لدى المؤسسات المعنية بصناعة المعلومات في المملكة في ضوء خطة إستراتيجية وطنية .
ولاشك أن المعلومات ثروة وطنية شأنها شأن الثروات الأخرى التي ينعم بها المجتمع من طبيعية وبشرية وصناعية وزراعية وغيرها ، بل إن المعلومات تعد بمثابة الشريان الحيوي للحياة المعاصرة ، والدعامة الرئيسة لصنع القرار سياسياً واجتماعياً وعسكرياً.
لقد أصبح التوجه العالمي للمكتبات ومراكز المعلومات في الوقت الراهن نحو الاندماج في مشاركات جماعية على شكل تكتلات أو اتحادات أو شبكات تضمن العمل المشترك وتقضي على أسلوب العمل الفردي ، [b]